بدأت العلاقات المصریة الإیرانیة بالتحسن اللافت فی الآونة الأخیرة وسط تسارع الاتصالات بین الطرفین، فیما رأى مراقبون أن ذلک یعود لأسباب براغماتیة أکثر منها رغبة حقیقیة فی استعادة العلاقات الطبیعیة بین البلدین.
وبعد یوم من الهجوم الإسرائیلی على إیران فجر أول من أمس السبت، جدد وزیر الخارجیة المصری بدر عبد العاطی، أمس الأحد، فی اتصال هاتفی أجراه مع نظیره الإیرانی عباس عراقجی “إدانة مصر لکل الإجراءات والسیاسات الأحادیة والاستفزازیة التی تهدد أمن واستقرار المنطقة وتؤدی إلى تأجیج الوضع بها”، حسبما جاء فی بیان للخارجیة المصریة.
وشدّد الوزیر المصری على “ضرورة منع التصعید، واتخاذ خطوات تسهم فی تحقیق التهدئة، وعدم استدراج المنطقة إلى حرب إقلیمیة تؤدی إلى تداعیات وخیمة على شعوب المنطقة”.
وأضاف البیان أنه “تم خلال الاتصال تناول الجهود المبذولة من جانب مصر بالتنسیق مع قطر والولایات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فی قطاع غزة، والدخول الکامل وغیر المشروط للمساعدات الإنسانیة والطبیة إلى قطاع غزة والإفراج عن الرهائن والأسرى”.
تطویر العلاقات المصریة الإیرانیة
بموازاة ذلک، کشفت مصادر أن القمة الأخیرة بین الرئیسین المصری عبد الفتاح السیسی والإیرانی مسعود بزشکیان فی 23 أکتوبر/تشرین الأول الحالی، والتی جاءت على هامش اجتماعات قمة بریکس فی قازان الروسیة، جرى خلالها التوافق على خطوات جدیدة ضمن نیات الجانبین لتوسیع مساحات التعاون بینهما، فی نطاق “الخطوط المسموح بها والتی لا تضع القاهرة تحت وطأة ضغوط إقلیمیة أو أمیرکیة”، حسب ما رأى مراقبون.
وخلال اللقاء الأول من نوعه بین السیسی وبزشکیان اتفقت القاهرة وطهران على بدء مشاورات دبلوماسیة لبحث سبل رفع مستوى التمثیل الدبلوماسی ضمن تهیئة المناخ العام للتطبیع الکامل فی العلاقات المصریة الإیرانیة فی الفترة المقبلة.
وسبق اللقاء الذی جمع بین السیسی وبزشکیان، زیارة وزیر الخارجیة الإیرانی عباس عراقجی للقاهرة فی إطار جولة إقلیمیة شملت لبنان وسوریة والعراق والسعودیة وقطر وسلطنة عمان. وکانت زیارة عراقجی للقاهرة بمثابة أول زیارة لمسؤول إیرانی على هذا المستوى إلى مصر منذ 2013.
قمة السیسی وبزشکیان وصفتها دوائر رسمیة بأنها “تأسیسیة لمرحلة جدیدة من مراحل توسیع العلاقات بین الجانبین”، ووفقاً للمعلومات، فإنّ الرئیسین اتفقا أیضاً خلال اللقاء على “إطلاق آلیة دائمة مشترکة للتنسیق الأمنی والعسکری بشأن الأزمات محل الاهتمام المشترک فی البحر الأحمر ولبنان وغزة”. والاتفاق الأکبر الذی یتم بین القاهرة وطهران منذ تخفیض العلاقات بینهما.
وباتت مصر قناة اتصال غیر مباشرة ووسیطاً موثوقاً بین الإدارة الأمیرکیة وإسرائیل من جهة، وإیران من جهة أخرى، بعد نقلها خلال الأشهر القلیلة الأخیرة، عدداً من الرسائل المتبادلة بین الجانبین، کانت “العربی الجدید” قد کشفت عن بعضها فی وقتها، وآخرها رسائل نقلتها إسرائیل لإیران عبر القاهرة بشأن الرد العسکری الأخیر وطبیعته، مصحوبة بتحذیر طهران من رد مضاد.
وذکرت المصادر أن المناورات البحریة التی تم الکشف عنها أخیراً وشارکت فیها قوات سعودیة وإیرانیة جنباً إلى جنب، أدت مصر دوراً فیها، عبر مشارکتها بقوات فیها، فضلاً عن قوات من دول أخرى فی المنطقة من بینها ترکیا. وأجرت السعودیة أخیراً فی بحر العرب، مناورات عسکریة مشترکة مع دول عدة، من بینها إیران، حسب ما أعلنت وزارة الدفاع فی المملکة.
فی السیاق، أفادت معلومات بأن مصر “تعمل على ترتیب لقاء یجمع ممثلین عن المکونات الیمنیة الفاعلة فی المشهد، ضمن تحرکات ومساع لوضع حد للأزمة الیمنیة، إذ تواصل مسؤولون مصریون معنیون بالتنسیق مع قیادات حوثیة، لاستطلاع موقفها بشأن إمکانیة اللقاء مع فرقاء یمنیین من تحالف الشرعیة وحزب الإصلاح والمجلس الانتقالی”.
ووفقاً للمعلومات، فإنّ الاتصالات المصریة فی هذا الشأن “تأتی بترتیب وتنسیق کاملین مع إیران والسعودیة، کما أنها قوبلت بترحیب حوثی”.
وحول ذلک، أبدى الباحث عمار فاید، اعتقاده أن مصر “ترید من إیران بصورة أساسیة الحد من التصعید فی باب المندب لتأثیر ذلک على الاقتصاد المصری، کما أن مصر ترید تجنب تصعید الحرب الراهنة إلى مواجهة مباشرة بین إیران وإسرائیل، لأن ذلک سیکون له تداعیات أیضاً على اقتصاد مصر ومصالحها فی البحر الأحمر والعراق وغیر ذلک. لکن هذا کله لا یعنی بالضرورة أن العلاقات المصریة الإیرانیة تتجه لتطویر معتبر، على غرار العلاقات المصریة الترکیة مثلاً”، مضیفاً: “مصر مرتبطة أکثر بعلاقاتها الاستراتیجیة مع الولایات المتحدة والغرب، وإقلیمیاً مع دول الخلیج وإسرائیل، وأی خطوة جادة باتجاه إیران قد یکون لها تداعیات سلبیة على أی من تلک العلاقات، وهو أمر لن تخاطر به مصر فی ظل ظروفها الاقتصادیة الحالیة”.
أسباب مؤثرة
من ناحیته، توقع أستاذ العلوم السیاسیة، عصام عبد الشافی، فی حدیث لـ”العربی الجدید”، أن “تشهد هذه المرحلة صعوبة کبیرة فی تکوین علاقة ولو تکتیکیة أو مرحلیة بین إیران ومصر لأکثر من سبب. السبب الأول هو حجم الضغوط الأمیرکیة التی یمکن أن تمارس على مصر فی هذه المرحلة، على أعتاب الانتخابات الأمیرکیة والمرشح الأوفر حظاً هو دونالد ترامب، وواضح أن ما یمکن أن یمارسه من ضغوط فی مسألة إقامة علاقات مع إیران، أشد مقارنة بـ(الرئیس جو) بایدن”.
وأضاف أن “السبب الثانی هو ارتباط إیران بمحور المقاومة، وعلاقة مصر بالاحتلال الإسرائیلی، ولذا أعتقد أن طهران والقاهرة على طرفی نقیض، وبالتالی فإن فکرة ترقیة العلاقة غیر واردة فی المرحلة القصیرة جداً”.
وتابع عبد الشافی: “السبب الثالث الذی یحد من إمکانیة تحسین العلاقات المصریة الإیرانیة هو أن العلاقات بین السعودیة والإمارات من ناحیة وإیران من ناحیة أخرى هی علاقات تکتیکیة ولیست استراتیجیة، بغض النظر عن سیاسات التطبیع التی تمت بین هذه الأطراف، ولا أعتقد أن السعودیة والإمارات ترغبان فی أن تکون العلاقات المصریة الإیرانیة جیدة فی هذه المرحلة”.
بدوره، قال المحلل المختص فی الشأن الإیرانی، سعید شاوردی، فی حدیث لـ”العربی الجدید”، إن “النیات لإعادة العلاقات موجودة من ناحیة إیران منذ فترة طویلة، والحکومة الجدیدة فی إیران ترید عودة العلاقات مع مصر، والتی لو عادت لحققت مصالح للشعبین، وطبعاً ستوفر فرصاً کثیرة للتعاون فی الکثیر من المجالات”.
وتابع: “هناک محاولات تبذل من قبل حکومة مسعود بزشکیان لعودة العلاقات، منها زیارة وزیر الخارجیة الإیرانی أخیراً إلى القاهرة واللقاء مع الرئیس عبد الفتاح السیسی ومسؤولین رفیعی المستوى، ولکن هناک عقبات أساسیة وهی إسرائیل والولایات المتحدة، اللتان تعتبران أن عودة العلاقات المصریة الإیرانیة خطر على ما یسمى بالأمن الإسرائیلی، ولذلک تعملان على إبعاد إیران ومصر عن بعضهما بعضاً”.
المصدر : mdeast.news